سورة طه - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} مكره وحيلته وسحرته، {ثُمَّ أَتَى} الميعاد. {قَالَ لَهُمْ مُوسَى} يعني: للسحرة الذين جمعهم فرعون، وكانوا اثنين وسبعين ساحرا، مع كل واحد حبل وعصا.
وقيل: كانوا أربعمائة. وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفا. وقيل أكثر من ذلك.
{وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {فَيُسْحِتَكُمْ} بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل والكلبي: فيهلككم. وقال قتادة: فيستأصلكم، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي: تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سرا من فرعون.
قال الكلبي: قالوا سرا: إن غلبنا موسى اتبعناه.
وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذبا، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر.
{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أي المناجاة، يكون مصدرا واسما، ثم {قَالَوا} وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} يعني موسى وهارون.
قرأ ابن كثير وحفص: {إِنْ} بتخفيف النون، {هَذَانِ} أي ما هذان إلا ساحران، كقوله: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلا من الكاذبين، ويشدد ابن كثير النون من {هذان}.
وقرأ أبو عمرو {إن} بتشديد النون {هذين} بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: {إن} بتشديد النون، {هذان} بالألف، واختلفوا فيه: فروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هذه لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفا، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة *** دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف {أن} هاهنا، بمعنى نعم، أي نعم هذان روى أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، أي نعم.
وقال الشاعر:
بكرت عليَّ عواذلي *** يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا *** ك وقد كبرت فقلت إنه
أي: نعم.
{يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، يقال: هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم و{الْمُثْلَى} تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، حديث الشعبي عن علي، قال: يصرفان وجوه الناس إليهما.
قال قتادة: طريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل: {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه و{الْمُثْلَى} نعت الطريقة، تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى، يعني: على الهدى المستقيم.


{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} قرأ أبو عمرو: {فأجمعوا} بوصل الألف وفتح الميم، من الجمع، أي لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به، بدليل قوله: {فجمع كيده}، وقرأ الآخرون بقطع الألف وكسر الميم. فقد قيل: معناه الجمع أيضا، تقول العرب: أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد.
والصحيح أن معناه العزم والإحكام، أي: أعزموا كلكم على كيده مجتمعين له، ولا تختلفوا فيختل أمركم.
{ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} أي جميعا، قاله مقاتل والكلبي، وقال قوم: أي مصطفين مجتمعين ليكون أشد لهيبتكم، وقال أبو عبيدة: الصف المجمع، ويسمى المصلى صفا. معناه: ثم ائتوا المكان الموعود.
{وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} أي: فاز من غلب. {قَالَوا} يعني السحرة، {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك، {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} عصاه. {قَالَ} موسى: {بَلْ أَلْقُوا} أنتم أولا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ} وفيه إضمار، أي فألقوا فإذا حبالهم {وَعِصِيُّهُمْ} جمع العصا، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} قرأ ابن عامر ويعقوب {تخيل} بالتاء ردا إلى الحبال والعصي، وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر، {مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.
وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات، وكانت قد أخذت ميلا من كل جانب ورأوا أنها تسعى. {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} أي وجد، وقيل: أضمر في نفسه خوفا، واختلفوا في خوفه: قيل: خوف طبع البشرية، وذلك أنه ظن أنها تقصده.
وقال مقاتل: خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه.


{قُلْنَا} لموسى: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى} أي: الغالب، يعني: لك الغلبة والظفر. {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني العصا، {تَلْقَفْ} تلتقم وتبتلع، {مَا صَنَعُوا} قرأ ابن عامر {تلقف} برفع الفاء هاهنا، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الأمر، {إِنَّمَا صَنَعُوا} إن الذي صنعوا، {كَيْدُ سَاحِرٍ} أي حيلة سحر، هكذا قرأ حمزة والكسائي: بكسر السين بلا ألف، وقرأ الآخرون: {ساحر} لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل، وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية، {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} من الأرض، قال ابن عباس: لا يسعد حيث كان. وقيل: معناه حيث احتال. {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} لرئيسكم ومعلمكم، {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جذوع النخل {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا}؛ أنا على إيمانكم به، أو رب موسى على ترك الإيمان به؟ {وَأَبْقَى} أي: أدوم. {قَالُوا} يعني السحرة: {لَنْ نُؤْثِرَكَ} لن نختارك، {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} يعني الدلالات، قال مقاتل: يعني اليد البيضاء والعصا.
وقيل: كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا.
وقيل: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ} يعني من التبيين والعلم.
حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال: إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار، ورأوا ثواب أهلها، ورأوا منازلهم في الجنة، فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، {وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي: لن نؤثرك على الله الذي فطرنا، وقيل: هو قسم، {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: فاصنع ما أنت صانع، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10